•° الإعتكاف °•ô
صفحة 1 من اصل 1
•° الإعتكاف °•ô
بسم الله الرحمن الرحيم
هديه صلى الله عليه وسلم في الاعتكاف..
1 - كان إذا أراد أن يعتكف وُضع له سريره وفراشه في مسجده صلى الله عليه وسلم،
وبالتحديد وراء أسطوانة التوبة كما جاء في الحديث عن نافع عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم:
(أنه كان إذا اعتكف طرح له فراشه، أو يوضع له سريره وراء أسطوانة التوبة) رواه ابن ماجه.
2 - وكان النبي صلى الله عليه وسلم يضرب له خباء
مثل هيئة الخيمة، فيمكث فيه غير أوقات الصلاة،
حتى تتم الخلوة له بصورة واقعية، وكان ذلك في المسجد،
ومن المتوقع أن يضرب ذلك الخباء على فراشه أو سريره،
وذلك كما في حديث عائشة رضي الله عنها قالت:
(كان النبي صلى الله عليه وسلم يعتكف في العشر الأواخر من رمضان، فكنت أضرب له خباء، فيصلي الصبح، ثم يدخله).. الحديث رواه البخاري
3 - وكان دائم المكث في المسجد لا يخرج منه إلا لحاجة الإنسان، من بول أو غائط،
وذلك لحديث عائشة رضي الله عنها حين قالت: (.. وكان لا يدخل البيت إلا لحاجة إذا كان معتكفا) رواه البخاري
4 - وكان صلى الله عليه وسلم يؤتي إليه بطعامه وشرابه إلى معتكفه كما أراد ذلك سالم بقوله:
(أما طعامه وشرابه فكان يؤتى به إليه في معتكفه).
5 - وكان صلى الله عليه وسلم يحافظ على نظافته،
إذْ كان يخرج رأسه إلى حجرة عائشة رضي الله عنها لكي ترجل له شعر رأسه،
ففي الحديث عن عروة عنها رضي الله عنها
(أنها كانت ترجل النبي صلى الله عليه وسلم وهي حائض، وهو معتكف في المسجد، وهي في حجرتها، يناولها رأسه) رواه البخاري
قال ابن حجر: (وفي الحديث جواز التنظيف والتطيب والغسل والحلق والتزين إلحاقا بالترجل، والجمهور على أنه لا يكره فيه إلا ما يكره في المسجد)... فتح الباري
6 - وكان صلى الله عليه وسلم لا يعود مريضا،
ولا يشهد جنازة، وذلك من أجل التركيز والانقطاع الكلي لمناجاة الله عز وجل، ففي الحديث عن عائشة أنها قالت:
(كان النبي صلى الله عليه وسلم يمر بالمريض وهو معتكف،
فيمر كما هو ولا يُعرج يسأل عنه).
وأيضا عن عروة أنها قالت:
(السنة على المعتكف أن لا يعود مريضا،
ولا يشهد جنازة، ولا يمس امرأة، ولا يباشرها،
ولا يخرج لحاجة إلا لما لا بد منه،
ولا اعتكاف إلا بصوم، ولا اعتكاف إلا في مسجد جامع) رواه أبو داود.
7 - وكان أزواجه صلى الله عليه وسلم يزرْنه في معتكفه،
وحدث أنه خرج ليوصل إحداهن إلى منزلها،
وكان ذلك لحاجة إذ كان الوقت ليلا،
وذلك كما جاء في الحديث عن علي بن الحسين:
(أن صفية رضي الله عنها أتت النبي صلى الله عليه وسلم وهو معتكف، فلما رجعت مشى معها،
فأبصره رجل من الأنصار، فلما أبصر دعاه،
فقال: تعال، هي صفية)
وربما قال سفيان: (هذه صفية، فإن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم)
قلت لسفيان: (أتته ليلا ؟ قال: وهل هو إلا ليلا) رواه البخاري.
فرأى صلى الله عليه وسلم أن خروجه معها رضي الله عنها أمر لا بد منه في ذلك الليل، فخرج معها من معتكفه، ليوصلها إلى بيتها.
وخلاصة القول: أن هديه صلى الله عليه وسلم في اعتكاف كان يتسم بالاجتهاد،
فقد كان جل وقته مكث في المسجد،
وإقبال على طاعة الله عز وجل، وترقب لليلة القدر.
مقاصـــــد الاعتكاف:
- تحري ليلة القدر.
- الخلوة بالله عز وجل، والانقطاع عن الناس ما أمكن حتى يتم أنسه بالله عز وجل وذكره.
- إصلاح القلب، ولم شعثه بإقبال على الله تبارك وتعالى بكليته.
- الانقطاع التام إلى العبادة الصرفة من صلاة ودعاء وذكر وقراءة قرآن.
- حفظ الصيام من كل ما يؤثر عليه من حظوظ النفس والشهوات.
- التقلل من المباح من الأمور الدنيوية، والزهد في كثير منها مع القدرة على التعامل معها.
أقسام الاعتكاف:
- واجب: ولا يكون إلا بنذر، فمن نذر أن يعتكف وجب عليه الاعتكاف، فقد قال صلى الله عليه وسلم:
(من نذر أن يطيع الله فليطعه، ومن نذر أن يعصيه فلا يعصه) وفي الحديث أن ابن عمر رضي الله عنهما:
أن عمر سأل النبي صلى الله عليه وسلم قال:
كنت نذرت في الجاهلية أن اعتكف ليلة في المسجد الحرام، قال: (أوف بنذرك) رواه البخاري.
- مندوب: وهو ما كان من دأب النبي صلى الله عليه وسلم في اعتكافه في العشر الأواخر من رمضان،
ومحافظة على هذا الأمر وهو سنة مؤكدة من حياته صلى الله عليه وسلم كما ورد ذلك في الأحاديث التي أشير غليها عند الحديث عن مشروعية الاعتكاف.
حكم الاعتكاف :
سنة مؤكدة داوم عليها الرسول صلى الله عليه وسلم،
وقضى بعض ما فاته منها،
ويقول في ذلك (عزام):
والمسنون ما تطوع به المسلم تقربا إلى الله،
وطلبا لثوابه اقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم،
فقد ثبت أنه فعله وداوم عليه.
شروط الاعتكاف :
يشترط للاعتكاف شروط هي:
- الإسلام: إذ لا يصح من كافر، وكذلك المرتد عن دينه.
- التمييز: إذ لا يصح من صبي غير مميز.
- الطهارة من الحدث الأكبر (من جنابة، وحيض، ونفاس) وإن طرأت مثل هذه الأمور على المعتكف أثناء اعتكافه وجب عليه الخروج من المسجد،
لأنه لا يجوز له المكث على حالته هذه في المسجد.
- أن يكون في مسجد: قال الله تعالى:
{ولا تُباشروهن وأنتم عاكفون في المساجد}
والأفضل أن يكون الاعتكاف في مسجد تقام فيه الجمعة،
حتى لا يضطر إلى الخروج من مسجده لأجل صلاة الجمعة.
- وقد ذهب بعض أهل العلم إلى أنه لا اعتكاف إلا في المساجد الثلاثة: المسجد الحرام، والمسجد الأقصى، ومسجد النبي صلى الله عليه وسلم.
والصواب أن الاعتكاف جائز في كل مسجد تصلى فيه الفروض الخمسة،
قال الله تعالى: {ولا تباشروهن وأنتم عاكفون في المساجد}... سورة البقرة 187، فدل عموم قوله تعالى: {في المساجد} على أنه جائز في كل مسجد.
ويستحب أن يكون في مسجد جامع،
حتى لا يحتاج المعتكف إلى الخروج للجمعة.
أركان الاعتكاف:
1 - النية: لحديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:
(إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى،
فمن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها أو امرأة ينكحها فهجرته إلى ما هاجر إليه) البخاري 1/15.
2 - المكث في المسجد: كما في قوله تعالى:
{وعهدنا إلى إبراهيم وإسماعيل أن طهرا بيتي للطائفين والعاكفين والركع والسجود}... سورة البقرة /125
وفي هذا تأكيد على أن مكان الاعتكاف هو المسجد،
ودل على ذلك أيضا
فعل الرسول صلى الله عليه وسلم ومن بعده
أزواجه وصحابته رضوان الله عليهم،
ففي الحديث عن يونس بن زيد
أن نافعا حدثه عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يعتكف العشر الأواخر من رمضان،
قال نافع: وقد أراني عبد الله رضي الله عنه المكان الذي يعتكف فيه
رسول الله صلى الله عليه وسلم من المسجد أخرجه مسلم.
مكانه وزمانه وبداية وقته:
مكان الاعتكاف المسجد كما دلت عليه الآية
في قوله تعالى: {ولا تباشروهن وأنتم عاكفون في المساجد} البقرة /187.
ولأن الرسول صلى الله عليه وسلم وأزواجه وصحابته رضوان الله عليهم اعتكفوا في المساجد،
ولم يرد عن أحد منهم أنه اعتكف في غير المسجد
وأما بالنسبة لزمانه ..
فإذا كان في رمضان فآكد وقته العشر الأواخر منه،
ويجوز في أي وقت في رمضان وغيره،
فهو لا يختص بزمن معين، بل مستحب في جميع الأوقات،
ويجب إذا ألزم نفسه بنذر،
كما جاء في حديث ابن عمر رضي الله عنهما أن عمر سأل النبي صلى الله عليه وسلم قال:
كنت نذرت في الجاهلية أن اعتكف ليلة في المسجد الحرام.
قال: (أوف بنذرك) البخاري 4/809.
وأما بالنسبة لبداية وقته فقبل غروب الشمس لمن أراد أن يعتكف يوما وليلة أو أكثر وقال بعض العلماء يدخل معتكفه فجرا.
آداب الاعتكاف:
للاعتكاف آداب يستحب للمعتكف أن يأخذ بها ..
حتى يكون اعتكافه مقبولا وكلما حافظ عليها المعتكف
كان له الأجر الجزيل من رب العالمين..
وكلما أخل بهذه الآداب نقص أجره.
ومن آداب الاعتكاف ما ذكره ابن قدامة في المغنى:
يستحب للمعتكف التشاغل بالصلاة وتلاوة القرآن
وبذكر الله تعالى ..
ونحو ذلك من الطاعات المحضة..
ويجتنب مالا يعينه من الأقوال والفعال..
ولا يُكثر الكلام لأن من كثر كلامه كثر سقطه
وفي الحديث (من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه)
ويجتنب الجدال والمراء والسباب والفحش..
فإن ذلك مكروه في غير الاعتكاف
ففيه أولى ولا يبطل الاعتكاف بشي من ذلك،
ولا بأس بالكلام لحاجة ومحادثة غيره..
روى الشيخان أن صفية زوج النبي صلى الله عليه وسلم
جاءت تزوره في اعتكافه في المسجد،
في العشر الأواخر من رمضان،
فتحدثت عنده ساعة، ثم قامت تنقلب،
فقام النبي صلى الله عليه وسلم معها يقلبها،
حتى إذا بلغت باب المسجد عند باب أم سلمة،
مر رجلان من الأنصار، فسلما على رسول الله صلى الله عليه وسلم،
فقال لهما النبي صلى الله عليه وسلم:
(على رسلكما، إنما هي صفية بنت حيي)، فقالا:
سبحان الله يا رسول الله! وكبُرَ عليهما،
فقال النبي صلى الله عليه وسلم:
(إن الشيطان يبلغ من الإنسان مبلغ الدم)
وفي لفظ: (يجري من الإنسان مجرى الدم)، (وإني خشيت أن يقذف في قلوبكما شيئا) وفي لفظ: (شرا).
ملحوظــــــة:
1- بعض الناس يعدون الاعتكاف فرصة خلوة ببعض أصحابهم وأحبابهم،
وتجاذب أطراف الحديث معهم،
وليس هذا بجيد.
حقا أنه لا حرج في أن يعتكف جماعة معا في مسجد،
فقد اعتكف أزواج النبي صلى الله عليه وسلم معه،
حتى لقد كانت إحداهن معتكفة معه،
وهي مستحاضة ترى الدم وهي في المسجد رواه البخاري 303، 304 ،
فلا حرج أن يعتكف الشخص مع صاحبه أو قريبه،
ولكن الحرج في أن يكون الاعتكاف فرصة لسمر والسهر،
والقيل و القال، وما شابه ذلك.
ولذلك قال الإمام ابن القيم بعدما أشار إلى ما يفعله بعض الجهال من اتخاذ المعتكف موضع عِشْرة،
ومجلبة للزائرين، وأخذهم بأطراف الحديث بينهم،
قال: (فهذا لون، والاعتكاف النبوي لون) زاد المعاد.
2- بعض الناس يترك عمله، ووظيفته وواجبه المكلف به،
كي يعتكف، وهذا تصرف غير سليم ؛
إذ ليس من العدل أن يترك المرء واجبا ليؤدي سنة ؛
فيجب على من ترك عمله المكلف به واعتكف،
أن يقطع الاعتكاف،
ويعود إلى عمله لكي يكون كسبه حلالا،
وأما إذا استطاع أن يجعل الاعتكاف في إجازة من عمله أو رخصة من صاحب العمل فهذا خير عظيم.
محظورات الاعتكاف:
1 - الخروج من المسجد: يبطل الاعتكاف إذا خرج المعتكف من المسجد لغير حاجة،
لأن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يكن يخرج من المسجد
إلا لحاجة الإنسان، وهي حاجته إلى الطعام،
إن لم يكن بالإمكان أن يؤتى إليه بالطعام،
كما كان يؤتى بطعام رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المسجد إذ يقول سالم:
(فأما طعامه وشرابه فكان يؤتى به إليه في معتكفه).
وكذلك خروجه للتطهر من الحدث الأصغر،
والوضوء لحديث عائشة رضي الله عنها أنها قالت:
(وإن كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ليدخل علي رأسه وهو في المسجد فأرجله، وكان لا يدخل البيت إلا لحاجة إذا كان معتكفا) فتح الباري.
2 - مباشرة النساء: ومنها الجماع، فهذا الأمر يبطل الاعتكاف، لورود النهي عنه صريحا في قوله تعالى: {ولا تباشروهن وأنتم عاكفون في المساجد} سورة البقرة /187.
3 - الحيض والنفاس: فإذا حاضت المرأة المعتكفة أو نفست وجب عليها الخروج من المسجد، وذلك للمحافظة على طهارة المسجد وكذلك الجنب حتى يغتسل.
4 - قضاء العدة: وذلك إذا توفي زوج المعتكفة وهي في المسجد وجب عليها الخروج لقضاء العدة في منزلها.
5 - الردة عن الإسلام: حيث إن من شروط الاعتكاف الإسلام، فيبطل اعتكاف المرتد.
الجوانب التربوية للاعتكاف:
1 - تطبيق مفهوم العبادة بصورتها الكلية:
يؤصل الاعتكاف في نفس المعتكف مفهوم العبودية
الحقة لله عز وجل،
ويدربه على هذا الأمر العظيم الذي من أجله خلق الإنسان،
إذ يقول الحق تبارك وتعالى:
{وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون} الذاريات 56.
حيث إن المعتكف قد وهب نفسه كلها ووقته كله متعبدا لله عز وجل.
ويكون شغله الشاغل هو مرضاة الله عز وجل،
فهو يشغل بدنه وحواسه ووقته - من أجل هذا الأمر - بالصلاة من فرض ونفل وبالدعاء،
وبالذكر، وبقراءة القرآن الكريم،
وغير ذلك من أنواع الطاعات.
وبهذه الدرْبة في مثل أيام العشر الخيرة
من شهر رمضان المبارك يتربى المعتكف على تحقيق مفهوم العبودية لله عز وجل في حياته العامة والخاصة،
ويضع موضع التنفيذ قول الحق تبارك وتعالى:
{قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين. لا شريك له وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين} الأنعام /163،
قال القرطبي (محياي) أي: ما أعمله في حياتي، (ومماتي) أي: ما أوصي به بعد وفاتي، (لله رب العالمين) أي: أفرده بالتقرب بها إليه.
2 - تحري ليلة القدر: وهو المقصد الرئيسي من اعتكافه صلى الله عليه وسلم
إذ بدأ اعتكافه أول مرة الشهر كله وكذلك
اعتكف العشر الأواسط تحريا لهذه الليلة المباركة،
فلما علم أنها تكون في العشرة الأخيرة من شهر رمضان اقتصر اعتكافه على هذه العشر المباركة.
3 - تعود المكث في المسجد: فالمعتكف قد الزم نفسه البقاء في المسجد مدة معينة.
وقد لا تقبل النفس الإنسانية مثل هذا القيد في بداية أمر الاعتكاف،
ولكن عدم القبول هذا سرعان ما يتبدد عادة بما تلقاه النفس المسلمة من راحة وطمأنينة في بقائها في بيت الله.
ومعرفة المعتكف بأهمية بقائه في المسجد أثناء اعتكافه تتجلى في الأمور التالية:
1 - أن الرجل الذي يمكث في المسجد قد احب المسجد من قلبه،
وعرف قدر بيوت الله عز وجل،
وهذا الحب له قيمة عند الله عز وجل ؛
إذ يجعله من الفئات التي يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله.
2 - أن الذي يمكث في المسجد ينتظر الصلاة له أجر صلاة،
وأن الملائكة تستغفر له،
ففي الحديث الذي أورده أبو هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
" إن الملائكة تصلي على أحدكم ما دام في مصلاه ما لم يحدث: اللهم اغفر له، اللهم ارحمه، لا يزال أحدكم في مصلاه ما دامت الصلاة تحبسه، لا يمنعه أن ينقلب إلى أهله إلا الصلاة " البخاري 2/360.
3 - البعد عن الترف المادي والزهد فيه:
في الاعتكاف يتخفف المعتكف من الكثير من هذه الأمور،
ويصبح كأنه إنسان غريب في هذه الدنيا، وطوبى للغرباء،
فهو من أجل مرضاة الله عز وجل ارتضى أن يقبع في ناحية من المسجد ليس لديه في الغالب إلا وسادة يضع عليها رأسه
وغطاء يتغطى به،
قد ترك فراشه الوثير وعادته الخاصة من أجل ذلك الرضا.
أما طعامه فهو مختلف في وضعه،
إن لم يكن في نوعه، إن كان طعامه يأتيه من منزله،
فهو عادة لا يأتيه بالكثرة ولا يتناوله بالوضع
الذي كان يتناوله في منزله على طاولة وكرسي مع أهله وولده،
بل يأكل كما يأكل الغريب،
ويأكل كما يأكل العبد الفقير إلى ربه،
وإن خرج إلى السوق من أجل الطعام فهو يعمل
جاهدا على التعامل مع ما هو متوفر ولا يشترط نوعا معينا،
لأنه مطلوب منه العودة إلى معتكفه،
وعدم الإطالة في مثل هذه الأمور،
وبهذا يعرف أن الحياة يمكن إدارتها بالقليل الذي يرضى عنه الله، وكذلك يمكن إدارتها بالكثير الذي لا يُرضي الله عز وجل،
والفرق بينهما كبير.
4 - الإقلاع عن كثير من العادات الضارة:
في ظل غياب مفهوم التربية الإسلامية في كثير من المجتمعات الإسلامية، وفي كثير من بيوت المجتمعات الإسلامية.
نشأت وتفشت لدى أفراد هذه المجتمعات كثير من العادات
التي تتعارض مع تعاليم الدين الحنيف،
وعمت هذه العادات المنكرة حتى أصبحت نوعا من المعروف الذي لا يرى فيه ضرر على الدين والنفس،
ومن تلك العادات: التدخين، وسماع الموسيقى، ومشاهدة ما يبث في القنوات الفضائية من مشاهد
وأحاديث تضاد عقيدة المسلم وتُنافي حياءه وعفته، وغير ذلك من عادات لها ضررها على الدين والنفس.
وتأتي فترة الاعتكاف لتكشف للفرد المسلم زيف تلك العادات، وزيف ذلك الاعتقاد الذي سكن في نفوس
كثير من المسلمين بعدم القدرة على التخلص من مثل تلك العادات، لأنها قد استحكمت في النفوس.
ويتعرف الإنسان المسلم في فترة الاعتكاف،
وقد خلا إلى خالقه، على مفهوم العبادة بصورتها الشاملة،
وأنه يجب أن يكون متعبدا لله عز وجل على مدار الساعة في حياته العامة والخاصة.
فهو عندما يتخذ مرضاة الله عز وجل ومحبته
ميزانا يزن به كل عمل يقوم به،
يجد أن تلك العادات التي أشرنا إليها آنفا وكثير غيرها لا تتفق مع هذه المحبة لله عز وجل بل تعمل في اتجاه معاكس لها،
ويجد بذلك أن مثل تلك العادات تخرجه عن دائرة العبودية الصادقة لله،
وإذا كان الأمر كذلك فيجب عليه أن يتخلص منها في أسرع وقت ممكن.
فالاعتكاف فرصة سنوية يستطيع فيها المعتكف
أن يتخلص من كل البلايا عن طريق التوبة والالتجاء إلى الله عز وجل أولا، وعن طريق فطام النفس عن تلك المعاصي
في فترة الاعتكاف، وعدم تحقيق رغبة النفس منها،
وتعويدها على ذلك.
5 - تعلم الصبر المستمر من قِبَل المعتكف:
وفي هذا تربية للإرادة، وكبْح لجماح النفس التي عادة ما ترغب في التفلت من هذه الطاعة إلى أمور أخرى تهواها.
وهناك الصبر على ما نقص مما ألِفته النفس
من أنواع الطعام المختلفة التي كان يطعمها في منزله،
فتلك الأنواع لا تتوفر في المسجد،
فيصبر على هذا القليل من أجل مرضاة عز وجل.
6 - وهناك الصبر على نوع الفراش الذي ينام عليه،
فلن يوضع له سرير في المسجد،
أو فراش وثير كالذي ينام عليه في منزله، فهو ينام على فراش متواضع جدا إن لم يكن فرش المسجد.
7 - وهناك الصبر على ما يجد في المسجد
من مزاحمة الآخرين له، ومن عدم توفر الهدوء الذي كان يألفه في منزله إذا أراد النوم.
8 - وهناك الصبر عن شهوة الزوجة إذ يحرم عليه مباشرتها عند دخوله إلى منزله للحاجة حتى التقبيل والعناق،
وهي حلاله، وفي هذا الأمر تتجلى قيمة الصبر وقيمة القوة في الإرادة وضبط النفس،
ومن خلال هذه المواقف وغيرها نجد أنه يمكن تربية الإنسان على القدرة على تأجيل كثير من الأمور والرغبات العاجلة من أجل أمور أهم منها،
فهو يؤجل كل هذه الحاجات النفسية والمادية العاجلة من أجل الفوز برضى الله تبارك وتعالى.
9 - الاطمئنان النفسي.
10 - قراءة القرآن وختمه.
11 - التوبة النصوح.
12 - قيام الليل والتعود عليه.
13 - عمارة الوقت.
14 - تربية النفس.
15 - صلاح القلب وجمعه على الله عز وجل.
نسأل الله أن يُعيننا على ذكره وشكره وحسن عبادته، والله تعالى أعلم وصلى الله على نبينا محمد.
هديه صلى الله عليه وسلم في الاعتكاف..
1 - كان إذا أراد أن يعتكف وُضع له سريره وفراشه في مسجده صلى الله عليه وسلم،
وبالتحديد وراء أسطوانة التوبة كما جاء في الحديث عن نافع عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم:
(أنه كان إذا اعتكف طرح له فراشه، أو يوضع له سريره وراء أسطوانة التوبة) رواه ابن ماجه.
2 - وكان النبي صلى الله عليه وسلم يضرب له خباء
مثل هيئة الخيمة، فيمكث فيه غير أوقات الصلاة،
حتى تتم الخلوة له بصورة واقعية، وكان ذلك في المسجد،
ومن المتوقع أن يضرب ذلك الخباء على فراشه أو سريره،
وذلك كما في حديث عائشة رضي الله عنها قالت:
(كان النبي صلى الله عليه وسلم يعتكف في العشر الأواخر من رمضان، فكنت أضرب له خباء، فيصلي الصبح، ثم يدخله).. الحديث رواه البخاري
3 - وكان دائم المكث في المسجد لا يخرج منه إلا لحاجة الإنسان، من بول أو غائط،
وذلك لحديث عائشة رضي الله عنها حين قالت: (.. وكان لا يدخل البيت إلا لحاجة إذا كان معتكفا) رواه البخاري
4 - وكان صلى الله عليه وسلم يؤتي إليه بطعامه وشرابه إلى معتكفه كما أراد ذلك سالم بقوله:
(أما طعامه وشرابه فكان يؤتى به إليه في معتكفه).
5 - وكان صلى الله عليه وسلم يحافظ على نظافته،
إذْ كان يخرج رأسه إلى حجرة عائشة رضي الله عنها لكي ترجل له شعر رأسه،
ففي الحديث عن عروة عنها رضي الله عنها
(أنها كانت ترجل النبي صلى الله عليه وسلم وهي حائض، وهو معتكف في المسجد، وهي في حجرتها، يناولها رأسه) رواه البخاري
قال ابن حجر: (وفي الحديث جواز التنظيف والتطيب والغسل والحلق والتزين إلحاقا بالترجل، والجمهور على أنه لا يكره فيه إلا ما يكره في المسجد)... فتح الباري
6 - وكان صلى الله عليه وسلم لا يعود مريضا،
ولا يشهد جنازة، وذلك من أجل التركيز والانقطاع الكلي لمناجاة الله عز وجل، ففي الحديث عن عائشة أنها قالت:
(كان النبي صلى الله عليه وسلم يمر بالمريض وهو معتكف،
فيمر كما هو ولا يُعرج يسأل عنه).
وأيضا عن عروة أنها قالت:
(السنة على المعتكف أن لا يعود مريضا،
ولا يشهد جنازة، ولا يمس امرأة، ولا يباشرها،
ولا يخرج لحاجة إلا لما لا بد منه،
ولا اعتكاف إلا بصوم، ولا اعتكاف إلا في مسجد جامع) رواه أبو داود.
7 - وكان أزواجه صلى الله عليه وسلم يزرْنه في معتكفه،
وحدث أنه خرج ليوصل إحداهن إلى منزلها،
وكان ذلك لحاجة إذ كان الوقت ليلا،
وذلك كما جاء في الحديث عن علي بن الحسين:
(أن صفية رضي الله عنها أتت النبي صلى الله عليه وسلم وهو معتكف، فلما رجعت مشى معها،
فأبصره رجل من الأنصار، فلما أبصر دعاه،
فقال: تعال، هي صفية)
وربما قال سفيان: (هذه صفية، فإن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم)
قلت لسفيان: (أتته ليلا ؟ قال: وهل هو إلا ليلا) رواه البخاري.
فرأى صلى الله عليه وسلم أن خروجه معها رضي الله عنها أمر لا بد منه في ذلك الليل، فخرج معها من معتكفه، ليوصلها إلى بيتها.
وخلاصة القول: أن هديه صلى الله عليه وسلم في اعتكاف كان يتسم بالاجتهاد،
فقد كان جل وقته مكث في المسجد،
وإقبال على طاعة الله عز وجل، وترقب لليلة القدر.
مقاصـــــد الاعتكاف:
- تحري ليلة القدر.
- الخلوة بالله عز وجل، والانقطاع عن الناس ما أمكن حتى يتم أنسه بالله عز وجل وذكره.
- إصلاح القلب، ولم شعثه بإقبال على الله تبارك وتعالى بكليته.
- الانقطاع التام إلى العبادة الصرفة من صلاة ودعاء وذكر وقراءة قرآن.
- حفظ الصيام من كل ما يؤثر عليه من حظوظ النفس والشهوات.
- التقلل من المباح من الأمور الدنيوية، والزهد في كثير منها مع القدرة على التعامل معها.
أقسام الاعتكاف:
- واجب: ولا يكون إلا بنذر، فمن نذر أن يعتكف وجب عليه الاعتكاف، فقد قال صلى الله عليه وسلم:
(من نذر أن يطيع الله فليطعه، ومن نذر أن يعصيه فلا يعصه) وفي الحديث أن ابن عمر رضي الله عنهما:
أن عمر سأل النبي صلى الله عليه وسلم قال:
كنت نذرت في الجاهلية أن اعتكف ليلة في المسجد الحرام، قال: (أوف بنذرك) رواه البخاري.
- مندوب: وهو ما كان من دأب النبي صلى الله عليه وسلم في اعتكافه في العشر الأواخر من رمضان،
ومحافظة على هذا الأمر وهو سنة مؤكدة من حياته صلى الله عليه وسلم كما ورد ذلك في الأحاديث التي أشير غليها عند الحديث عن مشروعية الاعتكاف.
حكم الاعتكاف :
سنة مؤكدة داوم عليها الرسول صلى الله عليه وسلم،
وقضى بعض ما فاته منها،
ويقول في ذلك (عزام):
والمسنون ما تطوع به المسلم تقربا إلى الله،
وطلبا لثوابه اقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم،
فقد ثبت أنه فعله وداوم عليه.
شروط الاعتكاف :
يشترط للاعتكاف شروط هي:
- الإسلام: إذ لا يصح من كافر، وكذلك المرتد عن دينه.
- التمييز: إذ لا يصح من صبي غير مميز.
- الطهارة من الحدث الأكبر (من جنابة، وحيض، ونفاس) وإن طرأت مثل هذه الأمور على المعتكف أثناء اعتكافه وجب عليه الخروج من المسجد،
لأنه لا يجوز له المكث على حالته هذه في المسجد.
- أن يكون في مسجد: قال الله تعالى:
{ولا تُباشروهن وأنتم عاكفون في المساجد}
والأفضل أن يكون الاعتكاف في مسجد تقام فيه الجمعة،
حتى لا يضطر إلى الخروج من مسجده لأجل صلاة الجمعة.
- وقد ذهب بعض أهل العلم إلى أنه لا اعتكاف إلا في المساجد الثلاثة: المسجد الحرام، والمسجد الأقصى، ومسجد النبي صلى الله عليه وسلم.
والصواب أن الاعتكاف جائز في كل مسجد تصلى فيه الفروض الخمسة،
قال الله تعالى: {ولا تباشروهن وأنتم عاكفون في المساجد}... سورة البقرة 187، فدل عموم قوله تعالى: {في المساجد} على أنه جائز في كل مسجد.
ويستحب أن يكون في مسجد جامع،
حتى لا يحتاج المعتكف إلى الخروج للجمعة.
أركان الاعتكاف:
1 - النية: لحديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:
(إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى،
فمن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها أو امرأة ينكحها فهجرته إلى ما هاجر إليه) البخاري 1/15.
2 - المكث في المسجد: كما في قوله تعالى:
{وعهدنا إلى إبراهيم وإسماعيل أن طهرا بيتي للطائفين والعاكفين والركع والسجود}... سورة البقرة /125
وفي هذا تأكيد على أن مكان الاعتكاف هو المسجد،
ودل على ذلك أيضا
فعل الرسول صلى الله عليه وسلم ومن بعده
أزواجه وصحابته رضوان الله عليهم،
ففي الحديث عن يونس بن زيد
أن نافعا حدثه عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يعتكف العشر الأواخر من رمضان،
قال نافع: وقد أراني عبد الله رضي الله عنه المكان الذي يعتكف فيه
رسول الله صلى الله عليه وسلم من المسجد أخرجه مسلم.
مكانه وزمانه وبداية وقته:
مكان الاعتكاف المسجد كما دلت عليه الآية
في قوله تعالى: {ولا تباشروهن وأنتم عاكفون في المساجد} البقرة /187.
ولأن الرسول صلى الله عليه وسلم وأزواجه وصحابته رضوان الله عليهم اعتكفوا في المساجد،
ولم يرد عن أحد منهم أنه اعتكف في غير المسجد
وأما بالنسبة لزمانه ..
فإذا كان في رمضان فآكد وقته العشر الأواخر منه،
ويجوز في أي وقت في رمضان وغيره،
فهو لا يختص بزمن معين، بل مستحب في جميع الأوقات،
ويجب إذا ألزم نفسه بنذر،
كما جاء في حديث ابن عمر رضي الله عنهما أن عمر سأل النبي صلى الله عليه وسلم قال:
كنت نذرت في الجاهلية أن اعتكف ليلة في المسجد الحرام.
قال: (أوف بنذرك) البخاري 4/809.
وأما بالنسبة لبداية وقته فقبل غروب الشمس لمن أراد أن يعتكف يوما وليلة أو أكثر وقال بعض العلماء يدخل معتكفه فجرا.
آداب الاعتكاف:
للاعتكاف آداب يستحب للمعتكف أن يأخذ بها ..
حتى يكون اعتكافه مقبولا وكلما حافظ عليها المعتكف
كان له الأجر الجزيل من رب العالمين..
وكلما أخل بهذه الآداب نقص أجره.
ومن آداب الاعتكاف ما ذكره ابن قدامة في المغنى:
يستحب للمعتكف التشاغل بالصلاة وتلاوة القرآن
وبذكر الله تعالى ..
ونحو ذلك من الطاعات المحضة..
ويجتنب مالا يعينه من الأقوال والفعال..
ولا يُكثر الكلام لأن من كثر كلامه كثر سقطه
وفي الحديث (من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه)
ويجتنب الجدال والمراء والسباب والفحش..
فإن ذلك مكروه في غير الاعتكاف
ففيه أولى ولا يبطل الاعتكاف بشي من ذلك،
ولا بأس بالكلام لحاجة ومحادثة غيره..
روى الشيخان أن صفية زوج النبي صلى الله عليه وسلم
جاءت تزوره في اعتكافه في المسجد،
في العشر الأواخر من رمضان،
فتحدثت عنده ساعة، ثم قامت تنقلب،
فقام النبي صلى الله عليه وسلم معها يقلبها،
حتى إذا بلغت باب المسجد عند باب أم سلمة،
مر رجلان من الأنصار، فسلما على رسول الله صلى الله عليه وسلم،
فقال لهما النبي صلى الله عليه وسلم:
(على رسلكما، إنما هي صفية بنت حيي)، فقالا:
سبحان الله يا رسول الله! وكبُرَ عليهما،
فقال النبي صلى الله عليه وسلم:
(إن الشيطان يبلغ من الإنسان مبلغ الدم)
وفي لفظ: (يجري من الإنسان مجرى الدم)، (وإني خشيت أن يقذف في قلوبكما شيئا) وفي لفظ: (شرا).
ملحوظــــــة:
1- بعض الناس يعدون الاعتكاف فرصة خلوة ببعض أصحابهم وأحبابهم،
وتجاذب أطراف الحديث معهم،
وليس هذا بجيد.
حقا أنه لا حرج في أن يعتكف جماعة معا في مسجد،
فقد اعتكف أزواج النبي صلى الله عليه وسلم معه،
حتى لقد كانت إحداهن معتكفة معه،
وهي مستحاضة ترى الدم وهي في المسجد رواه البخاري 303، 304 ،
فلا حرج أن يعتكف الشخص مع صاحبه أو قريبه،
ولكن الحرج في أن يكون الاعتكاف فرصة لسمر والسهر،
والقيل و القال، وما شابه ذلك.
ولذلك قال الإمام ابن القيم بعدما أشار إلى ما يفعله بعض الجهال من اتخاذ المعتكف موضع عِشْرة،
ومجلبة للزائرين، وأخذهم بأطراف الحديث بينهم،
قال: (فهذا لون، والاعتكاف النبوي لون) زاد المعاد.
2- بعض الناس يترك عمله، ووظيفته وواجبه المكلف به،
كي يعتكف، وهذا تصرف غير سليم ؛
إذ ليس من العدل أن يترك المرء واجبا ليؤدي سنة ؛
فيجب على من ترك عمله المكلف به واعتكف،
أن يقطع الاعتكاف،
ويعود إلى عمله لكي يكون كسبه حلالا،
وأما إذا استطاع أن يجعل الاعتكاف في إجازة من عمله أو رخصة من صاحب العمل فهذا خير عظيم.
محظورات الاعتكاف:
1 - الخروج من المسجد: يبطل الاعتكاف إذا خرج المعتكف من المسجد لغير حاجة،
لأن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يكن يخرج من المسجد
إلا لحاجة الإنسان، وهي حاجته إلى الطعام،
إن لم يكن بالإمكان أن يؤتى إليه بالطعام،
كما كان يؤتى بطعام رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المسجد إذ يقول سالم:
(فأما طعامه وشرابه فكان يؤتى به إليه في معتكفه).
وكذلك خروجه للتطهر من الحدث الأصغر،
والوضوء لحديث عائشة رضي الله عنها أنها قالت:
(وإن كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ليدخل علي رأسه وهو في المسجد فأرجله، وكان لا يدخل البيت إلا لحاجة إذا كان معتكفا) فتح الباري.
2 - مباشرة النساء: ومنها الجماع، فهذا الأمر يبطل الاعتكاف، لورود النهي عنه صريحا في قوله تعالى: {ولا تباشروهن وأنتم عاكفون في المساجد} سورة البقرة /187.
3 - الحيض والنفاس: فإذا حاضت المرأة المعتكفة أو نفست وجب عليها الخروج من المسجد، وذلك للمحافظة على طهارة المسجد وكذلك الجنب حتى يغتسل.
4 - قضاء العدة: وذلك إذا توفي زوج المعتكفة وهي في المسجد وجب عليها الخروج لقضاء العدة في منزلها.
5 - الردة عن الإسلام: حيث إن من شروط الاعتكاف الإسلام، فيبطل اعتكاف المرتد.
الجوانب التربوية للاعتكاف:
1 - تطبيق مفهوم العبادة بصورتها الكلية:
يؤصل الاعتكاف في نفس المعتكف مفهوم العبودية
الحقة لله عز وجل،
ويدربه على هذا الأمر العظيم الذي من أجله خلق الإنسان،
إذ يقول الحق تبارك وتعالى:
{وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون} الذاريات 56.
حيث إن المعتكف قد وهب نفسه كلها ووقته كله متعبدا لله عز وجل.
ويكون شغله الشاغل هو مرضاة الله عز وجل،
فهو يشغل بدنه وحواسه ووقته - من أجل هذا الأمر - بالصلاة من فرض ونفل وبالدعاء،
وبالذكر، وبقراءة القرآن الكريم،
وغير ذلك من أنواع الطاعات.
وبهذه الدرْبة في مثل أيام العشر الخيرة
من شهر رمضان المبارك يتربى المعتكف على تحقيق مفهوم العبودية لله عز وجل في حياته العامة والخاصة،
ويضع موضع التنفيذ قول الحق تبارك وتعالى:
{قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين. لا شريك له وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين} الأنعام /163،
قال القرطبي (محياي) أي: ما أعمله في حياتي، (ومماتي) أي: ما أوصي به بعد وفاتي، (لله رب العالمين) أي: أفرده بالتقرب بها إليه.
2 - تحري ليلة القدر: وهو المقصد الرئيسي من اعتكافه صلى الله عليه وسلم
إذ بدأ اعتكافه أول مرة الشهر كله وكذلك
اعتكف العشر الأواسط تحريا لهذه الليلة المباركة،
فلما علم أنها تكون في العشرة الأخيرة من شهر رمضان اقتصر اعتكافه على هذه العشر المباركة.
3 - تعود المكث في المسجد: فالمعتكف قد الزم نفسه البقاء في المسجد مدة معينة.
وقد لا تقبل النفس الإنسانية مثل هذا القيد في بداية أمر الاعتكاف،
ولكن عدم القبول هذا سرعان ما يتبدد عادة بما تلقاه النفس المسلمة من راحة وطمأنينة في بقائها في بيت الله.
ومعرفة المعتكف بأهمية بقائه في المسجد أثناء اعتكافه تتجلى في الأمور التالية:
1 - أن الرجل الذي يمكث في المسجد قد احب المسجد من قلبه،
وعرف قدر بيوت الله عز وجل،
وهذا الحب له قيمة عند الله عز وجل ؛
إذ يجعله من الفئات التي يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله.
2 - أن الذي يمكث في المسجد ينتظر الصلاة له أجر صلاة،
وأن الملائكة تستغفر له،
ففي الحديث الذي أورده أبو هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
" إن الملائكة تصلي على أحدكم ما دام في مصلاه ما لم يحدث: اللهم اغفر له، اللهم ارحمه، لا يزال أحدكم في مصلاه ما دامت الصلاة تحبسه، لا يمنعه أن ينقلب إلى أهله إلا الصلاة " البخاري 2/360.
3 - البعد عن الترف المادي والزهد فيه:
في الاعتكاف يتخفف المعتكف من الكثير من هذه الأمور،
ويصبح كأنه إنسان غريب في هذه الدنيا، وطوبى للغرباء،
فهو من أجل مرضاة الله عز وجل ارتضى أن يقبع في ناحية من المسجد ليس لديه في الغالب إلا وسادة يضع عليها رأسه
وغطاء يتغطى به،
قد ترك فراشه الوثير وعادته الخاصة من أجل ذلك الرضا.
أما طعامه فهو مختلف في وضعه،
إن لم يكن في نوعه، إن كان طعامه يأتيه من منزله،
فهو عادة لا يأتيه بالكثرة ولا يتناوله بالوضع
الذي كان يتناوله في منزله على طاولة وكرسي مع أهله وولده،
بل يأكل كما يأكل الغريب،
ويأكل كما يأكل العبد الفقير إلى ربه،
وإن خرج إلى السوق من أجل الطعام فهو يعمل
جاهدا على التعامل مع ما هو متوفر ولا يشترط نوعا معينا،
لأنه مطلوب منه العودة إلى معتكفه،
وعدم الإطالة في مثل هذه الأمور،
وبهذا يعرف أن الحياة يمكن إدارتها بالقليل الذي يرضى عنه الله، وكذلك يمكن إدارتها بالكثير الذي لا يُرضي الله عز وجل،
والفرق بينهما كبير.
4 - الإقلاع عن كثير من العادات الضارة:
في ظل غياب مفهوم التربية الإسلامية في كثير من المجتمعات الإسلامية، وفي كثير من بيوت المجتمعات الإسلامية.
نشأت وتفشت لدى أفراد هذه المجتمعات كثير من العادات
التي تتعارض مع تعاليم الدين الحنيف،
وعمت هذه العادات المنكرة حتى أصبحت نوعا من المعروف الذي لا يرى فيه ضرر على الدين والنفس،
ومن تلك العادات: التدخين، وسماع الموسيقى، ومشاهدة ما يبث في القنوات الفضائية من مشاهد
وأحاديث تضاد عقيدة المسلم وتُنافي حياءه وعفته، وغير ذلك من عادات لها ضررها على الدين والنفس.
وتأتي فترة الاعتكاف لتكشف للفرد المسلم زيف تلك العادات، وزيف ذلك الاعتقاد الذي سكن في نفوس
كثير من المسلمين بعدم القدرة على التخلص من مثل تلك العادات، لأنها قد استحكمت في النفوس.
ويتعرف الإنسان المسلم في فترة الاعتكاف،
وقد خلا إلى خالقه، على مفهوم العبادة بصورتها الشاملة،
وأنه يجب أن يكون متعبدا لله عز وجل على مدار الساعة في حياته العامة والخاصة.
فهو عندما يتخذ مرضاة الله عز وجل ومحبته
ميزانا يزن به كل عمل يقوم به،
يجد أن تلك العادات التي أشرنا إليها آنفا وكثير غيرها لا تتفق مع هذه المحبة لله عز وجل بل تعمل في اتجاه معاكس لها،
ويجد بذلك أن مثل تلك العادات تخرجه عن دائرة العبودية الصادقة لله،
وإذا كان الأمر كذلك فيجب عليه أن يتخلص منها في أسرع وقت ممكن.
فالاعتكاف فرصة سنوية يستطيع فيها المعتكف
أن يتخلص من كل البلايا عن طريق التوبة والالتجاء إلى الله عز وجل أولا، وعن طريق فطام النفس عن تلك المعاصي
في فترة الاعتكاف، وعدم تحقيق رغبة النفس منها،
وتعويدها على ذلك.
5 - تعلم الصبر المستمر من قِبَل المعتكف:
وفي هذا تربية للإرادة، وكبْح لجماح النفس التي عادة ما ترغب في التفلت من هذه الطاعة إلى أمور أخرى تهواها.
وهناك الصبر على ما نقص مما ألِفته النفس
من أنواع الطعام المختلفة التي كان يطعمها في منزله،
فتلك الأنواع لا تتوفر في المسجد،
فيصبر على هذا القليل من أجل مرضاة عز وجل.
6 - وهناك الصبر على نوع الفراش الذي ينام عليه،
فلن يوضع له سرير في المسجد،
أو فراش وثير كالذي ينام عليه في منزله، فهو ينام على فراش متواضع جدا إن لم يكن فرش المسجد.
7 - وهناك الصبر على ما يجد في المسجد
من مزاحمة الآخرين له، ومن عدم توفر الهدوء الذي كان يألفه في منزله إذا أراد النوم.
8 - وهناك الصبر عن شهوة الزوجة إذ يحرم عليه مباشرتها عند دخوله إلى منزله للحاجة حتى التقبيل والعناق،
وهي حلاله، وفي هذا الأمر تتجلى قيمة الصبر وقيمة القوة في الإرادة وضبط النفس،
ومن خلال هذه المواقف وغيرها نجد أنه يمكن تربية الإنسان على القدرة على تأجيل كثير من الأمور والرغبات العاجلة من أجل أمور أهم منها،
فهو يؤجل كل هذه الحاجات النفسية والمادية العاجلة من أجل الفوز برضى الله تبارك وتعالى.
9 - الاطمئنان النفسي.
10 - قراءة القرآن وختمه.
11 - التوبة النصوح.
12 - قيام الليل والتعود عليه.
13 - عمارة الوقت.
14 - تربية النفس.
15 - صلاح القلب وجمعه على الله عز وجل.
نسأل الله أن يُعيننا على ذكره وشكره وحسن عبادته، والله تعالى أعلم وصلى الله على نبينا محمد.
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى